الأحد، 25 يناير 2015

لم تزره اليوم ثورة الذكريات
وحده طهوى سبب غضبه
فاﻷحمر طاغ على كل النكهات
أنكر التهمة فى إنفعال
لم اترك أشباح الماضى
لتخايلنى بحمرة الطرقات
نبتلع جدالنا بين الفتات
باردا كهتاف يرتعش
بصقيع جدران الحارات
أمام التلفاز سنهرب
من كل أحاديث القنوات
وسنعجز مهما حاولنا
عن هضم آنية التفاهات
سنأوى ليلا لفراشنا
سيعض شفتيه ليدارى غضبه
وسأغلق عينى ﻷخفى التشوهات
وستبحث أنفينا عبثا فينا
عن شيئ من رحيق الثورات

الثلاثاء، 6 يناير 2015

رقعة شطرنج مخادعة
تتبدل فيها اﻷلوان
ترتفع عن اﻷبيض قدمك
تخطو على الأبيض باستمرار
تتقدم أم لا تتقدم
من يدرك معنى الخطوات...

على رقعة شطرنج مخادعة
تتبدل فيها اﻷلوان
 
 
طوى ظل مئذنة الجامع الكبير
بأول شارعه
وظل عمود الإنارة
أمام منزل جدته
وانحناءات ظلال الأجراس
بمدراس طفولته
وظلال نافذته المتراقصة
على جدران غرفته
وضعهم بحرص فى قاع حقيبته
ثم قال
ثقيل ظل مدينتى
 
سرق شيئا من ضياء القمر
المفترش أرض شرفته
وشيئا من انعكاس شعاع الشمس
على نافذة جارته
وبعض اللؤلؤ المنثور
على سطح نيل بلدته
والآخر المخبوء
بابتسامات فتيات حارته
أغلق عليهم عيونه
ثم قال
مظلمة هى مدينتى
 
لملم أصداء ضحكات أسرته
ونشاز البائعين بحارته
صخب الأطفال فى الصباح
وضجيج الرفاق فى المساء حول قهوته
أخفاهم بحقيبة يده
ثم قال
صاخبة هى مدينتى
 
أخذ أحاديث الرجال المكررة
وشرود نظرات العجائز المتفهمة
ابتسامات الشباب الخبيثة المتهكمة
وشجار السائق ثم ارتفاع عقيرته
بالأغانى الماجنة
عبأ بالوجوه ذاكرته
ثم قال
قساة أهل مدينتى
 
أخفى ذاته بعناية
فى أدراج مكتبه
على رف مرآته أودع ضحكته
طوى ذكرياته بحرص
و وسدها بالدولاب ملابسه
ثم قال
غريب أنا بمدينتى
 
حمل مدينته وهجر ذاته
رسم على وجهه فى الوداع استهانته
قالوا هجر مدينته وذهب بذاته
رسموا على وجوههم قرار إدانته
دفنوا أوزار الرحيل بعمق حقيبته
 ثم قال
راحل أنا يا مدينتى
وبالحقيبة تآكل فى صمت
كل ما للرحيل أعده

 
 
 
إنها ليلة إكتمال القمر.. مر شهر كامل إذاً منذ بدأ اﻷمر.. يذكر جيداً أن ضوء القمر الذى غمر الغرفة يومها هو ما دفعه لدخولها.. كانت إحدى ليال الأرق المعتادة وفى طريقه للمطبخ للمرة اﻷلف لمح ضوء القمر بغرفة مكتبه التى لم يدخلها منذ!! لم يتذكر منذ متى.. مضى وقت طويل إذاً..دخل إلى المكتب وأخذ يتأمل كتبه التى تملأ المكتبة ، متى و لم توقف عن القراءة؟ فتح أحد أدراج المكتب وغرق فى تأمل محتوياته بكل ما تحمله من ذكريات صغيرة متفرقة عبر سنين عمره.. ﻻ يعرف كم مر عليه من الوقت على هذا الحال ولكنه انتبه فجأة لصوت اﻷنفاس المتهدجة.. فى البدء كذب أذنيه فهذا صوت لم يسمعه منذ أعوام حتى ظن أنه وهم من صنع خياله.. أنفاس بشرية خلف الجدار؟! إقترب أكثر ألصق أذنه بالجدار نعم.. هو على يقين بأنها أنفاس بشرية.. قضى ليلته ملتصقا بالجدار.. وفى عمله بالصباح كان كالطفل الذى يخفى كنزا عن الجميع.. سنوات يقترب من زملائه ومن البشر بالطرقات على أمل أن يسمع صوت أنفاس أحدهم.. ألهذه الدرجة أنفاس الجميع منتظمة حتى صارت بلا صوت؟!
بتمنى أن تنقضى ساعات العمل ليعود لكنزه من جديد.. واﻷهم ليتيقن من أنه لم يكن حلما..
دخل الغرفة بلهفة.. كان الصوت هناك.. وكان هناك كل مساء.. أصبحت تلك الغرفة هى حياته كلها وضع بها فراشا صغيرا وصار يقضى ليله هنا قرب الجدار.. يقرأ قليلاً ويقلب فى محتويات المكتب حتى تبدأ اﻷنفاس فى الإرتفاع تدريجيا.. يترك كل شيئ وينصت.. يميّز تقطّع اﻹجهاد من تهدّج اﻹثارة.. إنتظام الطمأنينة من هدوء السعادة.. صار يميّز روح كل نفس ويرسم له حياة كاملة..
منذ أسبوع أزال جزء من ورق الحائط وبدأ ينبش بأصابعه الجدار.. يريد أن يقترب أكثر من الصوت.. الليلة يفكر أن يستمر فى النبش حتى يصل لصاحب الصوت.. أو تكون صاحبة الصوت؟!
منحته الفكرة مزيدا من الحماس.. فكلما لفته جمال إحدى زميلاته بالعمل تخيل أن تجمعه غرفة مع إمرأة لا تردد الجدران تمرد أنفاسها.. يتخيل أنفاسها منتظمة باردة قرب أذنه فيجفل ويعود إلى وحدته..
لم يتصور يوما أن جدارا يمكن ان يكون بهذا السمك هو اﻵن يكاد يكون بأكمله داخل الجدار.. ولكن الصوت أوضح ما يكون يكاد يتحول للهاث محموم.. ينبش وينبش.. يشعر بالظلام يحيط به كأن الجدار يغلق خلفه لا بهم فأصابعه اﻵن تشعر بملمس ورق الحائط.. يمزق الورق بلهفة.. يغمر عينيه ضوء القمر…
يقف بأنفاس مبهورة يتأمل بسعادة بخار أنفاسه المتكثف على زجاج سطح مكتبه..