أيقظته حركة الجالس بجواره من غفوته.. حاول من جدبد أن يرسل بصره عبر النافذة بحثا عن أى إشارة تجنبه طرح التساؤل المحرج.. اللعنة على خلايا ذاكرته كيف لا تحمل أى صورة لركوبه تلك الحافلة أو أدنى فكرة عن وجهتها.. باﻷمس كاد أن يستجمع شجاعته ويسأل السائق ولكن نظرة بجانب عين السائق سبقت السؤال فوأدته بحلقه.. نظرة تهكمية ربما.. عدائية أو خاوية لا يعرف ولكتها أسكتته..
عجبب هذا الطريق.. كلما زاد بحثه فيه عن العلامات زادت ملامحه إبهاما.. صار الخروج من هذه الحافلة المقيتة إلى أى مكان هو غاية حلمه..
إستيقظت كل حواسه مع زمجرة المكابح العتيقة.. إلتفتت وجوه جميع الركاب إليه.. فجأة يبدو كل شيئ جليا.. قلبه ينبض بعنف يكاد يحطم أضلعه.. يعرف تماما ما عليه فعله.. ولكن ساقيه لا تقويان على النهوض.. تحيطه النظرات.. فجأة يبدو صندوق الصمت الثقيل المتحرك هذا أكثر اﻷماكن أمنا بالعالم.. يطول الوقت او ربما يهيئ إليه ذلك.. يبدو السائق على عجلة من أمره.. ينهض أخيرا ليهبط من الحافلة.. وقع قدميه على أرض الطريق يدوى بأذنيه كطلقات المدافع..
يتوجه لصندوق خشبى بعينه من بين مئات الصناديق العتيقة على جانبى الطريق.. يتمدد بداخله فى صمت..
الخميس، 25 ديسمبر 2014
الأربعاء، 24 ديسمبر 2014
بشر يأتون وآخرون يرحلون.. أيام نكتبها وأخرى تكتبنا.. ويظل الشتاء دوما المخلص العائد بعد كل غياب.. تضم برودته يدى برقة فتكتسى أطراف أناملى بحمرة الخجل أو زرقة الرهافة.. دون أن يعبث بأوصال دفئى.. تنساب روحى رغما عنى للقاء أمطاره فى لهفة.. تلثمها قطراته على مهل فتمحو عنها كل ما علق بها دون بوح..
فمال شتائى هذا العام عائد منكسر يحتمى بصدرى كطفل مهزوم.. أمطاره بكاء يغرق نفسى.. وبرودة خوفه يرتجف لها قلبى..
رفقا بى يا شتائى المحزون.. فروحى ملطخة هذا العام بأقدام آلاف العابرين فى إنتظار أمطارك لتغمرنى لا لتغرقنى.. إستباحوا روحى فى غيابك ثم سرقوا فى الليل من اﻷرض آثار خطوى.. اجتثوها من قلب اﻷرض.. حتى خطواتى الوليدة سرقوا آثارها من المهد قبل أن أغرس جذورها فى اﻷرض..
ضاع من اﻷرض خطوى.. وقالوا تسير بلا أثر سحر هذا أم معجزة؟!
قلت ياويلى بل أسير بلا أرض مات السحر إذن و ولى زمان المعجزة..
وانتظرتك.. انتظرتك رغم ذلك بأمل مخادع لتكون لى المعجزة فتعيد خطوى..
فرفقا بى يا شتائى.. ابك بصدرى ما شئت ثم عدنى أن تمنحنى ما أتماسك به حتى تعود لخطواتى اﻷرض..
الاثنين، 22 ديسمبر 2014
فانتظرنى
وسأضل يومها عن كل الدروب
فكن دربا وانتظرنى
سآتيك لحتا عذبا يَسكُن الكون
فكن حالما وانتظرنى...
أو آتيك صرخة مدوية تُسكِن الكون
فكن جسورا وانتظرنى
سآتيك جناحا متمردا
فكن ريحا عاصفة وانتظرنى
أو آتيك ريشة ضالة
فكن نسيما مهدهدا وانتظرنى
سآتيك روحا
فافتح قلبك لضيائى وانتظرنى
أو آتيك جسدا
فافتح مسامك ﻹجتياحى وانتظرنى
سآتيك لونا أو عطرا
بحرا أو حقلا.. واديا أو جبلا
فانتظرنى
وانتظرنى كما قال درويش
إلى أن يقول لك الليل
لم يبق غيركما فى الوجود
وانتظرنى
تسرب كل ما بنا عبر شقوقنا.. صار خواءنا عاريا أكثر مما نحتمل..
وارتحلنا عن كل أرض تعرفنا.. و صلينا بمحراب آلهة لا تتحدث بلساننا.. أبكيناها وإن لم تفهم عنا دعاءنا.. فوهبتنا من لدنها طلاوة ليفقه الجميع غناءنا..
وما كان ارتحالنا ولا دعاءنا سوى لسُتُر صمت تحجب خبايانا..
فعدنا لنطوى معانينا كأحجبة نخفيها بشقوق جدارنا.. واتخذنا من الألحان أوراق توت تستر عرى كلماتنا.. وغنينا فأطربنا القلوب بشجى صمتنا..
يغرينى صوته العميق بالغرق كالعادة فى إحدى حكاياته.. يعرف ما أفكر به.. يقول ربما أيضا أسمح لك بسرقة بعض الكلمات من رأسى وإكمال أسطر الحكاية..
أقول ليكن اللقاء بمحطة القطار إذا..
يضحك.. من يلتقى بمحطات القطار أيتها المجنون...ة.. أقول العقلاء..
فكر باﻷمر وحدنا بمحطة القطار نعرف أين أقدامنا فأقدام الكل هناك ملك لطريق ما.. وحدنا أيضا أقوياء.. أحرار بلا إنتظار ولا وداع بلا رحيل ولا حقائب.. وحدنا سنكون نحن فالكل ترك شيئا من ذاته خلفه أو يسعى إلى شيئ منها.. بمحطة القطار ﻻ أحد سوانا يملك اليقين..
يضحك وماذا لو تلصصت القطارات على قصتنا وراقت لها همساننا من بين كل الضجيج.. أقول نكون إذا قد أرسلنا شيئا منا لكل البلدان..
لتكن محطة القطار إذا.. ولتكن القصة قصتنا هذه المرة.. أوافقه ويعرف كلانا أنا كاذبين حتى النخاع..
فنحن نحكى كل شيئ عدا حكايتنا....