الثلاثاء، 6 يناير 2015

 
 
إنها ليلة إكتمال القمر.. مر شهر كامل إذاً منذ بدأ اﻷمر.. يذكر جيداً أن ضوء القمر الذى غمر الغرفة يومها هو ما دفعه لدخولها.. كانت إحدى ليال الأرق المعتادة وفى طريقه للمطبخ للمرة اﻷلف لمح ضوء القمر بغرفة مكتبه التى لم يدخلها منذ!! لم يتذكر منذ متى.. مضى وقت طويل إذاً..دخل إلى المكتب وأخذ يتأمل كتبه التى تملأ المكتبة ، متى و لم توقف عن القراءة؟ فتح أحد أدراج المكتب وغرق فى تأمل محتوياته بكل ما تحمله من ذكريات صغيرة متفرقة عبر سنين عمره.. ﻻ يعرف كم مر عليه من الوقت على هذا الحال ولكنه انتبه فجأة لصوت اﻷنفاس المتهدجة.. فى البدء كذب أذنيه فهذا صوت لم يسمعه منذ أعوام حتى ظن أنه وهم من صنع خياله.. أنفاس بشرية خلف الجدار؟! إقترب أكثر ألصق أذنه بالجدار نعم.. هو على يقين بأنها أنفاس بشرية.. قضى ليلته ملتصقا بالجدار.. وفى عمله بالصباح كان كالطفل الذى يخفى كنزا عن الجميع.. سنوات يقترب من زملائه ومن البشر بالطرقات على أمل أن يسمع صوت أنفاس أحدهم.. ألهذه الدرجة أنفاس الجميع منتظمة حتى صارت بلا صوت؟!
بتمنى أن تنقضى ساعات العمل ليعود لكنزه من جديد.. واﻷهم ليتيقن من أنه لم يكن حلما..
دخل الغرفة بلهفة.. كان الصوت هناك.. وكان هناك كل مساء.. أصبحت تلك الغرفة هى حياته كلها وضع بها فراشا صغيرا وصار يقضى ليله هنا قرب الجدار.. يقرأ قليلاً ويقلب فى محتويات المكتب حتى تبدأ اﻷنفاس فى الإرتفاع تدريجيا.. يترك كل شيئ وينصت.. يميّز تقطّع اﻹجهاد من تهدّج اﻹثارة.. إنتظام الطمأنينة من هدوء السعادة.. صار يميّز روح كل نفس ويرسم له حياة كاملة..
منذ أسبوع أزال جزء من ورق الحائط وبدأ ينبش بأصابعه الجدار.. يريد أن يقترب أكثر من الصوت.. الليلة يفكر أن يستمر فى النبش حتى يصل لصاحب الصوت.. أو تكون صاحبة الصوت؟!
منحته الفكرة مزيدا من الحماس.. فكلما لفته جمال إحدى زميلاته بالعمل تخيل أن تجمعه غرفة مع إمرأة لا تردد الجدران تمرد أنفاسها.. يتخيل أنفاسها منتظمة باردة قرب أذنه فيجفل ويعود إلى وحدته..
لم يتصور يوما أن جدارا يمكن ان يكون بهذا السمك هو اﻵن يكاد يكون بأكمله داخل الجدار.. ولكن الصوت أوضح ما يكون يكاد يتحول للهاث محموم.. ينبش وينبش.. يشعر بالظلام يحيط به كأن الجدار يغلق خلفه لا بهم فأصابعه اﻵن تشعر بملمس ورق الحائط.. يمزق الورق بلهفة.. يغمر عينيه ضوء القمر…
يقف بأنفاس مبهورة يتأمل بسعادة بخار أنفاسه المتكثف على زجاج سطح مكتبه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق