الخميس، 8 مايو 2014

أبناء الطريق

كان الوقت متأخرا حين خطت أولى خطواتها بهذا الشارع الجانبى.. كان مظلما إﻻ من عمود واحد تراكم التراب على مصباحه لتبدو إضاءته أقرب إلى الظﻻم منها إلى النور.. فكرت لوهلة أن تعود إلى الشارع الرئيسى ولكنها لم تكن ممن يعترفون بخوفهم من أى شيئ.. لذا إستكملت خطواتها فى هذا الشارع الخالى من أى أثر للحياة سوى هذا العجوز الجالس على الرصيف ينظر لها.. هذا إن أمكن إعتباره حيا بتلك النظرة الخالية من التعبير على وجهه..
ما أن إقتربت منه حتى رفع رأسه وقال لها.. ﻻ تخافى يا مريم فمثلك ﻻ تخاف الطريق..
كان من الممكن أن تكمل سيرها ولكنها إستدارت فى عند طفولى وأجابته.. لست خائفة كما ان اسمى سلمى لا مريم..
إبتسم فى هدوء قائﻻ.. أعرف أنك لست مريم بعد ولكنك ستكونين أنا أرى لك نفس ألوانها ألوان ابنة الطريق..
ضحكت ساخرة وقالت.. أى ألوان ألى هالة كالقديسين؟.. أجاب.. بل أشعة متناثرة تخرج من عينيك كتلك الصفراء العنيدة اﻵن.. أو كفيروز أبناء الطريق الذى رأيته منذ قليل.. أنتى راحلة أليس كذلك؟
كانت بالفعل راحلة غدا فى بعثة سعت لها بكل قواها.. ﻻ لشيئ سوى رغبتها فى إستكشاف ذاتها بعيدا عن كل ما تعرفه.. على الرغم من سيريالية المشهد إﻻ أنها شعرت برغبة فى إستكمال هذا الحديث الذى يبدو كخيال أو كحلم قاتم اﻷلوان..
جلست بجواره وقالت.. أتعرف لو رآنى أحد معارفى أتحدث إليك اﻵن لتعجب ﻻ لغرابة الموقف وهو جد غريب.. ولكن ﻷنى لم أتحدث ﻷحد منهم منذ حين.. أتعرف أن صديقتى المقربة غاضبة ﻷنى أتهرب منها وأمى تتهمنى بأن قسوة الغربة سكنتنى قبل أن أسكنها هم فقط ﻻ يفهمون.. سكتت فأكمل لها.. ﻻ يفهمون أنك ﻻ تريدينهم أن يروا عﻻمات التحول اﻷولى فيك تريدين أن تحتفظ عيونهم بصورتك القديمة حتى تستطيعى العودة لها حين تعودين من رحلتك ﻹستكشاف ذاتك.. لو حاولت هى التعبير عما فى عقلها ما استطاعت قوله بهذا الوضوح هزت رأسها.. قال لها.. ﻻ تتعجبى فأنا أيضا كنت ابن الطريق مثلك ولكن دعينى أحذرك يا مريم.. عيون الناس ليست خزائن نحتفظ فيها بذواتنا القديمة فنعود ونرتديها بسهولة.. من قال أن الفراشة ستحب العودة إلى شرنقتها يوما ما.. نصيحتى لك أريهم تحولك خطوة بخطوة ليتقبلوه فﻻ تنتهين فراشة وحيدة تحت مصباح معتم مثلى.. إحتضنيهم أنظرى فى عيونهم دعيهم يعرفونك يا مريم كما انت ﻻ كما كنت ﻻ تخافى سيحبونك هكذا أيضا وستحبين نفسك الجديدة فى عيونهم.. نظرت له سلمى فى شرود ثم وقفت لتكمل سيرها.. ناداها.. سلمى.. ﻻ تخافى فمثلك ﻻ تخاف الطريق.. كان مبتسما وألق فيروزى يلمع بعيونه الرمادية.. إبتسمت له و أكملت الطريق..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق